سورة الحجر - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص فقطع باب التخصيص بقوله {كلهم} وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله {أجمعون} {إِلاَّ إِبْلِيسَ} ظاهر الإستثناء يدل على أنه كان من الملائكة لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه. وعن الحسن أن الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة. قلنا: غير المأمور لا يصير بالترك ملعوناً. وفي الكشاف كان بينهم مأموراً معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك (رأيتهم إلا هنداً) {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} امتنع أن يكون معهم و{أبى} استئناف على تقدير قول قائل يقول: هلا سجد؟ فقيل: أبى ذلك واستكبر عنه. وقيل: معناه ولكن إبليس أبى. {قَالَ يا بْلِيسُ مَالَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} حرف الجر مع أن محذوف تقديره مالك في أن لا تكون مع الساجدين أي أي غرض لك في إبائك السجود {قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ} اللام لتأكيد النفي أي لا يصح مني أن أسجد {لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ قَالَ فاخرج مِنْهَا} من السماء أو من الجنة أو من جملة الملائكة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود من رحمة الله ومعناه ملعون لأن اللعنة هي الطرد من الرحمة والإبعاد منها {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين} ضرب يوم الدين حداً للعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم، والمراد به إنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه.


{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى} فأخرني {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} {يوم الدين} و{يوم يبعثون} و{يوم الوقت المعلوم} في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة. وقيل: إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وانظر إلى آخر أَيام التكليف {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى} الباء للقسم و{ما} مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم ومعنى أقسم بإغوائك إياي {لازَيِّنَنَّ لَهُمْ} المعاصي ونحو قوله {بما أغويتني لأزينن لهم} {فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ} [ص: 82] في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفه الذات والثاني بصفة الفعل، وقد فرق الفقهاء بينهما فقال العراقيون: الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين، والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين. والأصح أن الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يميناً ومالاً فلا، والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال. وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر {فِى الأرض} في الدنيا التي هي دار الغرور، وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر. {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وبكسر اللام: بصري ومكي وشامي استثنى المخلص لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه. {قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} أي هذا طريق حق عليَّ أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته. وقيل: معنى {على} إلي. {على} يعقوب من علو الشرف والفضل.


{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} الضمير للغاوين {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من أتباع إبليس {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} نصيب معلوم مفرز. قيل: أبواب النار أطباقها وأدراكها، فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين {إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ} وبضم العين: مدني وبصري وحفص. المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه. وقال في الشرح: إن دخل أهل الكبائر في قوله {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتقوا الشرك {ادخلوها} أي يقال لهم ادخلوها {بِسَلامٍ} حال أي سالمين أو مسلماً عليكم تسلم عليكم الملائكة {ءَامِنِينَ} من الخروج منهما والآفات فيها وهو حال أخرى {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وهو الحقد الكامن في القلب أي إن كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيب نفوسهم. وعن علي رضي الله عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وقيل: معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادد والتحابب {إِخْوَانًا} حال {على سُرُرٍ متقابلين} كذلك قيل تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى بعضهم بعضاً {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} في الجنة تعب {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فتمام النعمة بالخلود، ولما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6